ترمب والقوة الصلبة- تحول أمريكي في زمن التحولات العالمية؟
المؤلف: أسامة يماني09.12.2025

تبنى الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، نهجًا متباينًا بصورة جذرية عن مفهوم "القوة الناعمة" الذي بلوره المفكر جوزيف ناي، إذ اتجه بقوة نحو إعلاء شأن أدوات "القوة الصلبة" المتمثلة في التفوق العسكري والضغوط الاقتصادية، وذلك على حساب الأدوات الدبلوماسية والثقافية التي تشكل صميم القوة الناعمة وجوهرها.
وقد لخص جوزيف ناي ذلك التحول الملحوظ في مقال له نُشر في مجلة "فورين أفيرز" عام 2018، حينما أشار بوضوح إلى أن سياسات ترمب القومية ومواقفه الصارمة تجاه الحلفاء التاريخيين قد أسهمت بشكل كبير في تراجع القوة الناعمة الأمريكية وتضاؤل تأثيرها العالمي.
كما أكد ناي في كتابه القيم "مستقبل القوة" على أن المزج المتوازن والرشيد بين القوة الصلبة والقوة الناعمة يظل أمرًا ضروريًا وحتميًا للقيادة العالمية الفعالة والمؤثرة، وهو الأمر الذي تتجاهله بعض الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وتغفل عن أهميته الاستراتيجية.
ويتجسد هذا الإهمال جليًا في تبني سياسة "أمريكا أولاً" التي أدت إلى انسحابات متتالية ومؤسفة من تحالفات ومؤسسات دولية كبرى وهامة، مثل منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، مما أدى بدوره إلى إضعاف الأدوات الدبلوماسية الأمريكية وتقويض نفوذها الدولي. كما تجلى هذا الإهمال أيضًا في القرارات المالية التي استهدفت بشكل مباشر تقليص برامج التبادل الثقافي الهامة، مثل برنامج "فولبرايت"، وهيئات الإعلام الدولي المؤثرة، مثل "صوت أمريكا"، بالإضافة إلى خطط خفض ميزانية وزارة الخارجية بنسبة كبيرة بلغت 50%، والتي كشفت عنها وكالة "رويترز"، وكان من شأنها أن تؤدي إلى إغلاق العشرات من البعثات الدبلوماسية الأمريكية حول العالم.
وعلى الجانب الآخر، يرى بعض المؤيدين المتحمسين للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، أن أساليبه المباشرة والصريحة في التواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة تشكل في حد ذاتها نوعًا جديدًا من القوة الناعمة الحديثة، إذ نجح من خلالها في استقطاب قاعدة شعبية عريضة وواسعة في العديد من الدول عبر خطابه المثير للجدل والمعادي للنخب التقليدية المهيمنة. في حين يرى بعض الخبراء والمحللين السياسيين أن هذا الأسلوب قد زاد من حدة الاستقطاب الدولي بشكل ملحوظ، وأسهم في تعميق الانقسامات أكثر مما ساهم في تعزيز الجاذبية الثقافية أو النفوذ السياسي الأمريكي.
وفي الواقع، يبدو جليًا أن ترمب، بعيدًا عن الانطباع السائد والاعتقاد الشائع، كان يمتلك وعيًا حادًا وإدراكًا عميقًا بمحدودية تأثير القوة الناعمة في ظل التحولات الجذرية والمتسارعة التي يشهدها النظام الدولي المعاصر. لقد أدرك مبكرًا أن زمن الهيمنة الأمريكية الأحادية قد ولى وانقضى، وأن العالم يشهد صعود قوى جديدة تتحدى الثنائية الصلبة/الناعمة التقليدية الموروثة. تصريحاته الأخيرة التي أدلى بها في الرياض، حيث انتقد بشدة "بناة الأمم" ومحاولات فرض الثقافة الأمريكية قسرًا، تعكس فهمًا عميقًا لتحولات العصر وتغيراته المتلاحقة: فالشعوب اليوم ترفض بشدة الهيمنة الثقافية رفضها للهيمنة السياسية، وهي تسعى جاهدة لصنع نهضتها الخاصة بها معتمدة على مقوماتها الحضارية المتفردة.
لقد اختار ترمب عن عمد وسبق إصرار التركيز على القوة الصلبة، ليس لأنه كان يجهل أهمية القوة الناعمة ودورها المحوري، بل لأنه رأى عن قناعة تامة أن زمن القوة الناعمة التقليدية، بآلياتها وخطابها المعهود، قد ضعف وتلاشى. ففي عالم تتصارع فيه الحضارات والثقافات أكثر من أي وقت مضى، وتتنافس فيه النماذج التنموية قبل أن تتنافس الرؤى الثقافية، كان ترمب يقدم قراءة واقعية وصريحة، وإن كانت قاسية وصادمة، لطبيعة المرحلة الانتقالية الدقيقة والحرجة التي يعيشها النظام العالمي اليوم. وربما يكون التاريخ هو الحكم الفصل والأكثر عدالة على مدى صحة هذه الرؤية وجدواها من عدمها.
وقد لخص جوزيف ناي ذلك التحول الملحوظ في مقال له نُشر في مجلة "فورين أفيرز" عام 2018، حينما أشار بوضوح إلى أن سياسات ترمب القومية ومواقفه الصارمة تجاه الحلفاء التاريخيين قد أسهمت بشكل كبير في تراجع القوة الناعمة الأمريكية وتضاؤل تأثيرها العالمي.
كما أكد ناي في كتابه القيم "مستقبل القوة" على أن المزج المتوازن والرشيد بين القوة الصلبة والقوة الناعمة يظل أمرًا ضروريًا وحتميًا للقيادة العالمية الفعالة والمؤثرة، وهو الأمر الذي تتجاهله بعض الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وتغفل عن أهميته الاستراتيجية.
ويتجسد هذا الإهمال جليًا في تبني سياسة "أمريكا أولاً" التي أدت إلى انسحابات متتالية ومؤسفة من تحالفات ومؤسسات دولية كبرى وهامة، مثل منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، مما أدى بدوره إلى إضعاف الأدوات الدبلوماسية الأمريكية وتقويض نفوذها الدولي. كما تجلى هذا الإهمال أيضًا في القرارات المالية التي استهدفت بشكل مباشر تقليص برامج التبادل الثقافي الهامة، مثل برنامج "فولبرايت"، وهيئات الإعلام الدولي المؤثرة، مثل "صوت أمريكا"، بالإضافة إلى خطط خفض ميزانية وزارة الخارجية بنسبة كبيرة بلغت 50%، والتي كشفت عنها وكالة "رويترز"، وكان من شأنها أن تؤدي إلى إغلاق العشرات من البعثات الدبلوماسية الأمريكية حول العالم.
وعلى الجانب الآخر، يرى بعض المؤيدين المتحمسين للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، أن أساليبه المباشرة والصريحة في التواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة تشكل في حد ذاتها نوعًا جديدًا من القوة الناعمة الحديثة، إذ نجح من خلالها في استقطاب قاعدة شعبية عريضة وواسعة في العديد من الدول عبر خطابه المثير للجدل والمعادي للنخب التقليدية المهيمنة. في حين يرى بعض الخبراء والمحللين السياسيين أن هذا الأسلوب قد زاد من حدة الاستقطاب الدولي بشكل ملحوظ، وأسهم في تعميق الانقسامات أكثر مما ساهم في تعزيز الجاذبية الثقافية أو النفوذ السياسي الأمريكي.
وفي الواقع، يبدو جليًا أن ترمب، بعيدًا عن الانطباع السائد والاعتقاد الشائع، كان يمتلك وعيًا حادًا وإدراكًا عميقًا بمحدودية تأثير القوة الناعمة في ظل التحولات الجذرية والمتسارعة التي يشهدها النظام الدولي المعاصر. لقد أدرك مبكرًا أن زمن الهيمنة الأمريكية الأحادية قد ولى وانقضى، وأن العالم يشهد صعود قوى جديدة تتحدى الثنائية الصلبة/الناعمة التقليدية الموروثة. تصريحاته الأخيرة التي أدلى بها في الرياض، حيث انتقد بشدة "بناة الأمم" ومحاولات فرض الثقافة الأمريكية قسرًا، تعكس فهمًا عميقًا لتحولات العصر وتغيراته المتلاحقة: فالشعوب اليوم ترفض بشدة الهيمنة الثقافية رفضها للهيمنة السياسية، وهي تسعى جاهدة لصنع نهضتها الخاصة بها معتمدة على مقوماتها الحضارية المتفردة.
لقد اختار ترمب عن عمد وسبق إصرار التركيز على القوة الصلبة، ليس لأنه كان يجهل أهمية القوة الناعمة ودورها المحوري، بل لأنه رأى عن قناعة تامة أن زمن القوة الناعمة التقليدية، بآلياتها وخطابها المعهود، قد ضعف وتلاشى. ففي عالم تتصارع فيه الحضارات والثقافات أكثر من أي وقت مضى، وتتنافس فيه النماذج التنموية قبل أن تتنافس الرؤى الثقافية، كان ترمب يقدم قراءة واقعية وصريحة، وإن كانت قاسية وصادمة، لطبيعة المرحلة الانتقالية الدقيقة والحرجة التي يعيشها النظام العالمي اليوم. وربما يكون التاريخ هو الحكم الفصل والأكثر عدالة على مدى صحة هذه الرؤية وجدواها من عدمها.